مدونة . الكاتب : عدنان أبو شومر . يتم التشغيل بواسطة Blogger.


 مميز



لقاء ممتع "1" ......... بقلم : عدنان أبو شومر

.

 
عاود ألألم ... ذراعه الأيسر ... فهذه هي المرة الخامسة في أقل من عشرة أيام ... والألم مازال يتركز في نفس الذراع وفي نفس المكان... أقلقه الأمر...

فقرر أن يراجع الطبيب في إحدى العيادات المجانية التي تتوسط مخيم للاجئين ... في قطاعنا الصامد... أرشده أحد الموظفين إلى اصطحاب سجله الصحي من الكاتب الآخر بعد التدقيق في أوراقه الثبوتية... بعد ذلك أشار إليه موظف الاستقبال بضرورة الانتظار في الغرفة المجاورة حتى يحين موعد الكشف عليه... من قبل الطبيب

وعندما دخل غرفة الانتظار ... وجدها مكتظة بالمرضى من الجنسين

جال بنظره للتعرف على وجوه الحاضرين وعددهم ... فوقع نظره عليها

إنها فتاة جميلة بهندام أنيق ... يعلو محياها اشراقة جميلة وابتسامة رائعة رسمت على مبسم جميل فأضافت له مسحة جمال إضافية ...

إنها تجلس في وسط الصفوف إلى جانب امرأة يبدو أنها والدتها لشدة تشابه ملامح الاثنتين ......

أخذ يتنحنح للفت نظرها ...ثم بعد ذلك رد السلام بصوته الجهوري المميز

رد الجميع التحية وردت هي كذلك ......

أطالت النظر في عينيه , ثم تمتمت إلى أمها بكلمات... وكأنها تسأل عن بعض الأمور أو... كأنها تعرفه من زمن ..

أخذ يختلس النظر إلى وجهها , فكانت تلتقي نظراتهما في كثير من الأحيان... فخفقت تبعا لذلك القلوب وأخذت ترسل وتستقبل فيض المشاعر من نظرات عينيهما ..!!

فعندما كان يبتسم كان يجدها تبادله ابتسامة رائعة.. يسارع قلبه على إثر ذلك في الخفقان.. بعد أن تعتلي وجهه حمرة ...يضطر بعدها إلى طأطأة رأسه خشية أن يلحظ الجالسون ذلك.. ثم يعود يهمس لنفسه قائلا : الله ... ما أجمل هذا الوجه إنه البدر في ليلة انتصاف الشهر في سماء صافية

بدأت أعداد المرضى في التناقص...... أصبحت تقترب منه أكثر من ذي قبل ... فهاهي تجلس في مواجهته مباشرة ...

أحاديث كانت تدور بين الجالسين .. الأصوات كانت ترتفع أحيانا وتنخفض أخرى ...

استمر الحال أكثر من ساعة ...

بدأ يفكر كيف يدخل معها في حديث..

لذلك قرر أن يختلق حديثا مع جاره.. وعيونه تختلس النظر إليها في محاولة منه لاستدراجها:

انقضت أكثر من ساعة ومازالت الغرفة تعج بالمرضى ... !!!

أعتقد بأننا في أمس الحاجة إلى طبيب آخر أو أكثر ..!!

رد العجوز الجالس إلى جواره ..قائلا :

يا بني يجب أن نحمد الله على أن الكشف والعلاج بالمجان ... وعلى حساب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين...

نحن نحمد الله دائما.. يا والدي ولكن ... !!

هذا حق لنا...

فمن أبسط الحقوق التي يجب أن تقدمها الوكالة لنا هذه العيادة المتواضعة ..!!

هذه المؤسسة الدولية التي أنشئت من الأعضاء الذين ساعدت دولهم العدو الصهيوني في احتلال أرضنا.. وإقامة دولة مسخه عليها ..!.

آه يا والدي لقد نكأت جرحا قديما ..!

لا أريد الدخول في كثير من تفصيلاته..

نحن لنا الحق في العودة إلى مدننا وقرانا الأصلية , ثم إقامة دولتنا على كامل ترابنا .. وأعتقد يا والدي العزيز .. : أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها .... بعد ذلك لن نكون في حاجة لأية مساعدات....

العجوز يا بني: صحيح ما قلته سابقا فقد تآمر العالم علينا حتى مكنوه من احتلال أرضنا وتشريدنا وتشتيت شملنا في معظم دول العالم ... فبتنا نستجدي المساعدات .... هذا يعطف علينا وذاك يقدم لنا الفتات ... آه .. آه



يا بني حتى لو حدث ذلك فستظل الأزمة .. قائمة بسبب تزايد أعداد المرضى... وتزايد أعداد المواليد ...!!!

صحيح يا والدي :فهذه بركة من الله أن جعل قدرة المرأة الفلسطينية على الإنجاب تفوق غيرها من النساء العربيات ونساء العالم بعشرات المرات ... أتعرف لماذا أيها الوالد العزيز ... هز الوالد رأسه وتبسم فهل أنت تسألني .. !! ضحك الشاب قائلا : طبعا لا يا والدي العزيز .. ولكن السؤال لبيان الهدف من بركة الإنجاب .

.نعم يا بني : حتى نتمكن من تعويض قوافل الشهداء الذين مازالوا يسقطون يوميا فها هي دماؤهم نازفة حتى في هذه اللحظات ..

فقبل قدومي لهذه العيادة استمعت لخبر عاجل: مفاده" استشهاد اثنين من المجاهدين من تنظيم ..."

فلنعد إلى حديثنا .

تصديقا لما تقول يا والدي العزيز ... فإن أعداد المرضى في تزايد مستمر

أعتقد أن أسباب ذلك تكمن في كثير من الأمور أذكر منها : تعقيدات الحياة .. الظروف النفسية والاقتصادية التي نعيشها .. طعامنا ... وغير ذلك من الأسباب ..

أنظر إلى السماد العضوي والسماد الكيماوي والسماد .... والمبيدات الحشرية التي تضاف إلى المزروعات بالاضافة إلى الكيماويات التي تعمل على تسارع إنضاج الثمار وغيرها الكثير فكلها سموم باتت أجسامنا أوعية لتخزينها فعملت على إحداث ضعف في قدرة أجسمنا على مقاومة أي مرض مهما كان ... ..

ولا ننسى الهرمونات التي تضاف إلى أعلاف المواشي والدواجن فكلها سموم جديدة تضاف إلى المخزون السابق ..

هذا بالإضافة إلى أن الهرمونات وغيرها من المواد التي تضاف إلى أعلاف الدواجن والمواشي تعمل على إحداث تغييرات واضحة في أعضائنا ووظائفها فتعمل على زيادة واضحة في حجم الأثداء لدى الأطفال والشباب والرجال وما يصاحب ذلك من تغييرات واضحة في بعض الملامح ..

وتبعا لذلك فقد انتشرت العديد من الأمراض بفعل الأسباب السابقة وأسباب أخرى كثيرة ... المجال سيطول لو تحدثنا عنها بإسهاب ...

فهل نسينا أنفلونزا الطيور والخنازير .. وغيرها ... ومازال الحبل على الجرار

تعقيدات اليوم هي إضافات جديدة لأنظمة التقدم العلمي التي رفع عنها غطاء المراقبة فتركت المزارع أو المنتج للسلعة يستعمل ما يشاء من وسائل.. لأن ما يهم منتج السلعة اليوم هو زيادة الإنتاج وتحسين مواصفاته السوقية دون أن يبالي بالصحة العامة

التسارع العلمي الذي أضحى لا يأبه بالصحة العامة والمحافظة على حياة الناس بل أصبح هم المزارع والتاجر ... المكسب المادي ... فقط وذلك لرفع رصيده المالي في البنوك ... وحتى يرتفع عدد الأغنياء في العالم ...لأن الهدف الأساسي .. هو الثراء المادي ...!!!!

في هذه الأثناء نادى الموظف الجالس أمام غرفة الطبيب على المريض رقم "7" للدخول فقد جاء دوره في الدخول الى غرفة الكشف وكان صاحب الرقم المذكور هو الرجل العجوز... ساد صمت قطعه العجوز قائلا ... أكملوا حديثكم يبدو أن الجلسة ستحتوي على كثير من المعلومات المفيدة والواعية ... استودعكم الله كنت أتمنى أن أكمل الحديث معكم ... فحديثكم ممتع ومفيد

نظرت الفتاة بعد ذلك مباشرة إلى الشاب قائلة : ما شاء الله ثقافة رائعة ومتنوعة ... يبدو أنك تعمل في إحدى المؤسسات التي تعنى بمجال التغذية والصحة

.. شعر بارتياح عند ما اندمجت مباشرة معه في الحديث ..

وعلى الفور أجابها بسعادة غامرة : أنا أعمل معلما في وزارة التربية والتعليم ... ... ولكني مهتم بشؤون الغذاء والصحة ومواكبة الأحداث... وغير ذلك من القضايا ...

تابعت قائلة :

الموضوع الذي طرحته هو موضوع هام ويصف واقعا مريرا نعاني منه جميعا ...!!!! هنا في فلسطين وفي جميع دول العالم ...!!

تابعت كذلك حديثها ...

حتى مزارع الأسماك لم تسلم من عبثية اللعب بطعامها .. ففي المزارع التي زرتها مع والدي ووالدتي.... وجدت فيها أن ما يقدم للأسماك من غذاء.. أصبح صناعيا كأعلاف المواشي قاطعها الشاب قائلا :.. صحيح ما قلتيه .. ولكن مهما كانت الأعلاف التي تعطى للأسماك فإنها تظل أكثر صحة من غيرها ...

تدخل شاب ثالث كان يجلس في الركن الشمالي من الغرفة الله وأكبر..ماذا يجري ..!

ما يحدث اليوم على كوكبا هو تسارع علمي رهيب .. ناتج عن نمو سكاني مضطرد في الزيادة يا جماعة الهدف من ذلك كله هو توفير الغذاء للجميع ..ليتمكن كل فرد من الحصول على الحد الأدنى من الغذاء الذي يبقيه على قيد الحياة ... نظر الشاب الأول اليه باستغراب قائلا هل النمو السكاني يعطيهم الحق في التلاعب بصحة الناس.؟!! أجابه على الفور طبعا لا .... لا يحق التلاعب .. إذن في القارة الأفريقية السمراء ..!! التي تحوى الكثير من الكنوز والخيرات التي لم تستغل بعد.

فهاهم أبنائها .. لا يجدون الحد الأدنى من الفتات .. أنظر إلى صورهم وأجسادهم .. هياكل عظمية تسير على الأرض , هذا بالإضافة إلى الأمراض المنتشرة بينهم , والأوبئة التي مازالت تحصد الكثير منهم..!

طبعا .. الحروب المستمرة بسبب التقسيمات العرقية , والاقتتال الدائر بين زعماء القبائل المختلفة ... وتحكم الغرب الأبيض في إبقاء المنطقة غارقة في ظلمات الفرقة والاقتتال لتظل هذه القبائل في حاجة إلى المساعدات الغربية , في الوقت الذي يغيب المسلمون فيه عن الساحة..!

المسلمون اليوم منشغلون بمصالحهم وبهمومهم, وتركوا واجبهم الديني والأخلاقي المتمثل في نصرة الضعيف , والملهوف , وتقديم يد العون والمساعدة .

كان الله في عون إخواننا الأفارقة..!

فجأة ينخرط رجل آخر من كبار السن في الحديث قائلا : يا جماعة وكأنني في لقاء صحفي على أحد الفضائيات العتيدة.. نتحدث عن الخلل , وعن الواجب والمفترض أن يكون ...

أقول أن في بلادنا العديد من الكفاءات القادرة على التحليل ..القادرة على التعاطي مع الواقع بكل صدق وأمانة ..وقبل أن يكمل حديثه قاطعته الفتاة ـ التي أشغلته وكان يتمنى أن ينعم بحديث هادئ معها قائلة: إذا كنا نحن عينات المرضى كذلك فما بالك يا والدي العزيز بكفاءاتنا الأصحاء..!!

أكبرها أكثر بعد ما وجدها تحمل أفكارا واعية تنم عن قدر كبير من الثقافة العلمية...

وقبل أن ينادى على صاحب الدور اختتم الشاب الجلسة قائلا : والله لقد نسيت مرضي بعد هذه الجلسة الراقية ... !!

فما الحل في نظركم .... قالوا جميعا الحل يكمن في كثير من النقاط ... أتمنى أن نتمكن في جلسة قادمة من تناولها ...ولكن أرجو أن لا يكون ذلك في عيادة المخيم ... !!! ولم يكمل آخر كلماته حتى جاء دور والدة الفتاة في الدخول إلى غرفة الكشف فقرر انتظار خروجها مع والدتها عند باب العيادة وذلك ...!!

 

=============================

ليست هناك تعليقات:

=====================================================================================================

=============================================================================================================================================



جميع الجقوق محفوظة ل مدونة أ.عدنان أبو شومر :